فصل: وَفِي وَالنَّجْمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ



.سورة الْفَتْحِ، وَالْحُجُرَاتِ:

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] وَأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِيهِ نَسْخٌ وَلَمْ نَذْكُرْ مَعْنَى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: 1] عَلَى اسْتِقْصَاءٍ وَهَذَا مَوْضِعُهُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُعْنَى بِهَذَا: فَتْحَ مَكَّةَ وَذَلِكَ غَلَطٌ وَالَّذِي عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ غَيْرُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ.
كَمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قَالَ: تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَإِنَّمَا نَعُدُّهُ فَتْحَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ.
وَكَذَا رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ جَابِرٍ، قَالَ: تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ الْحُدَيْبِيَةُ. وَكَذَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَقَالَهُ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ وَفِي تَسْمِيَةِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ بَيِّنَةٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].
بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُ الْمَغْفِرَةَ لَهُ، ثُمَّ لَمْ يُنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ سُخْطًا عَلَى مَنْ رَضِيَ عَنْهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُدَيْبِيَةَ بِئْرٌ وَرَدَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ غَاضَ مَاؤُهَا فَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَجَاءَ الْمَاءُ حَتَّى عَمَّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ إِلَّا تَرَامٍ حَتَّى كَانَ الْفَتْحُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَتَأَوَّلُ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لِيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ: الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَفَتْحِ مَكَّةَ وَجَعَلَهُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ: قَدْ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَارَبْنَا دُخُولَهَا وَأَبْيَنُ مَا فِي هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمُ مِنْهُ كَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَجَزَتْ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ فَلَمَّا كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ وَالصُّلْحُ وُضِعَتِ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النَّاسُ فَتَلَاقَوْا فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِلْكَ السِّنِينِ مِثْلُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ.
وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ بَيِّنٌ، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10] كَانَ هَذَا فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا جَاءَ بِذَلِكَ التَّوْقِيفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ». وَهَذَا لِلَّذِينَ أَنْفَقُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَاتَلُوا.

.سورة ق وَالذَّرَايَاتِ وَالطُّورِ وَالنَّجْمِ وَالْقَمَرِ وَالرَّحْمَنِ وَالْوَاقِعَةِ:

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَجَدْنَا فِيهِنَّ خَمْسَةَ مَوَاضِعَ:

.فِي سُورَةِ ق:

مَوْضِعٌ:
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق: 39] مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْكَمًا أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، فَهَذَا نَزَلَ فِي الْيَهُودِ، جَاءَ التَّوْقِيفُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَحِقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَذًى كَمَا قُرِئَ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ هَنَّادٌ: قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ إِنَّ الْيَهُودَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِمَا فِيهَا مِنَ مَنَافِعَ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ وَالْعِمَارَاتِ وَالْخَرِبَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {قُلْ أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إِلَى {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] قَالَ: لِمَنْ سَأَلَ، وَخَلَقَ السَّمَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنْهُ، وَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ السَّاعَاتِ الْآجَالَ حَيْثُ يَمُوتُ مَنْ يَمُوتُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الْآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ، قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ تَمَّمْتَ: ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}».
قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق: 39] فَتَأَوَّلَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ: إِذَا حَزَبَ إِنْسَانًا أَمْرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْزَعَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ حُذَيْفَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عَرَفَ وَهُوَ رَاحِلٌ بِمَوْتِ قُثَمَ أَخِيهِ فَأَمَرَ بِحَطِّ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَلَا {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ. وَقَدْ قِيلَ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَيَكُونُ {وَمِنَ اللَّيْلِ} [ق: 40] لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ.
فَأَمَّا {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] فَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَبَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَانِ وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَذَا أَمْرٌ بِمَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ نَافِلَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا لَا حَتْمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا خَمْسُ صَلَوَاتٍ وَنَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ وَكَانَ التَّأْذِينُ فِيهَا وَالْإِقَامَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ لَا أَحَدَ مِنْهُمْ يُوجِبُ غَيْرَهَا.

.وَفِي سُورَةِ وَالذَّارِيَاتِ:

مَوْضِعَانِ:
فَالْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. وَمَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ قَالَ: هِيَ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَفِي الْكَلَامِ مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ: أَعْطُوا السَّائِلَ وَالْمَحْرُومَ وَيَجْعَلُ هَذَا مَنْسُوخًا بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَحْرُومِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ.
فَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] فَقَالَ: السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ وَالْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَالٌ.
وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْمَحْرُومُ: الْمُحَارَفُ.
وَقَالَ: مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدِ الْحَرْبَ أَيْ: فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَحِقْتُهُ جَائِحَةٌ فَأَتْلَفَتْ زَرْعَهُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ.
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: مَنِ الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ».
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يُنَمَّى لَهُ شَيْءٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: الْمَحْرُومُ الْكَلْبُ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا لِأَنَّهَا صِفَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ، وَالْمَحْرُومُ هُوَ الَّذِي قَدْ حُرِمَ الرِّزْقَ وَاحْتَاجَ. فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَجَلُّ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أَجْمَعُ أَنَّهُ الْمُحَارَفُ.
وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات: 54].
فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ أَنَّ التَّوَلِّيَ عَنْهُمْ مَنْسُوخٌ؛ بِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] فَأُمِرَ أَنْ يُبَلِّغَ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْي فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [الذاريات: 54] فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات: 54] أَيْ: لَيْسَ يَلُومُكَ رَبُّكَ تَعَالَى عَلَى تَقْصِيرٍ كَانَ مِنْكَ.

.وَفِي الطُّورِ:

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48]:
لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ: فَمِنْ ذَلِكَ:
مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قَالَ: حِينَ تَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ.
قَالَ الْجُعْفِيُّ، وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُصْلِحٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ تُكَبِّرَ وَتَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ.
فَهَذَا قَوْلٌ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَرَدَّ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ: قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْتَفْتِحِ الصَّلَاةَ بِهَا فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ مُوجِبًا فَإِنْ قِيلَ: هُوَ نَدَبٌ قِيلَ: لَوْ صَحَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحِجَّةُ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا أَوْ مَنْسُوخًا وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] مِنَ النَّوْمِ.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: يَكُونُ هَذَا فَرْضًا وَيَكُونُ هَذَا النَّوْمُ الْقَائِلَةُ، وَيُعْنَى بِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَذْكُورَةٌ فِي الْآيَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي الْأَحْوَصِ: أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا قَامَ مِنْ مَجْلِسٍ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أُولَاهَا مِنْ جِهَاتٍ أَوْكَدُهَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِذَا تَكَلَّمَ صَحَابِيُّ فِي آيَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُ لَمْ تَسَعْ مُخَالَفَتُهُ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّنْزِيلِ وَالتَّأْوِيلِ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالَ: حِينَ تَقُومُ مِنَ الْمَجْلِسِ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَيَكُونُ هَذَا نَدْبًا لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ رَغَّبَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ كُلَّمَا قَامَ مِنْ مَجْلِسٍ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهُ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ».
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَمَّا كَانَ مُخَاطَبَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فَرْضَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَنَدْبًا عَلَى قَوْلِ قَوْمٍ. وَحَجَّةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّ الْكَلَامَ عَامٌ فَلَا يُخَصُّ بِهِ الْقِيَامُ مِنَ النَّوْمِ إِلَّا بِحُجَّةٍ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: 40] فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَعْنِي بِهِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِهِ: الْمَغْرِبَ.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: 40] هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ {إِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] صَلَاةُ الصُّبْحِ.
وَاخْتَارَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَرْضٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَيْهَا وَأَوْلَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ صَحَابِيٍّ لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا.
كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] قَالَ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ.
فَإِنْ قِيلَ فَالرَّكْعَتَانِ غَيْرُ وَاجِبَتَيْنِ وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَتْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْحَتْمِ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا ثُمَّ نُسِخَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ إِلَّا الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَيْسَتَا بِفَرْضٍ وَلَكِنَّهُمَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِمَا لَا يَنْبَغِي تَرَكُهُمَا.

.وَفِي وَالنَّجْمِ:

قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: لِلنَّاسِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ فَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَدِّقَ عَنْهُ أَحَدٌ، وَلَا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَوَابَ شَيْءٍ عَمِلَهُ. قَالُوا: وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ إِلَى الْآيَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ الْأَحَادِيثُ لَهَا تَأْوِيلٌ: وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مَا سَعَى فَمِمَّنْ تُؤَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ}: فَأَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآبَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْأَبْنَاءِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: كَذَا عِنْدِي فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَدْخَلَ اللَّهُ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ يُلْحَقُونَ بِالْأَبْنَاءِ كَمَا يُلْحَقُ الْأَبْنَاءُ بِالْآبَاءِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} [الطور: 21] أَيْ: نَقَصْنَاهُمْ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شكيبٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَمَاعِةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لِيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ لِيُقِرَّ بِهِمْ عَيْنَهُ ثُمَّ قَرَأَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] الْآيَةَ» فَصَارَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا فَعَلَهُ وَبِمَعْنَى آيَةٍ أَنْزَلَهَا تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَنْفَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَدِّقَ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ فَقَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا رَدُّهُ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ سَنَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا.
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِالْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَوْلَى» فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: فِي الْحَجِّ صَلَاةٌ لَا بُدُّ مِنْهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قِيلَ لَهُمْ الْحَجُّ مُخَالِفٌ لِلصَّلَاةِ مَعَ ثَبَاتِ السُّنَّةِ. قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ.
وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، أَنَّ، رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامٌ قَالَ: «فَصُمْ عَنْهَا» وَقَدْ قَالَ مَنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَا يَصُمْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، فَقَالَ مَنْ أَحْتَجُّ لَهُ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِيمَ الْإِسْنَادِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَحَلُّ الْجَلِيلُ فَقَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ غَلَطٌ وَقَدْ خَالَفَهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ مِنَ الْإِتْقَانِ عَلَى مَا لَا خِفَاءَ بِهِ كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذَرٌ قَالَ: «فَاقْضِهِ عَنْهَا».
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَلْحَقُ الْمُسْلِمَ أَوْ يَنْفَعُ الْمُسْلِمَ ثَلَاثٌ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَعِلْمٌ نَشَرَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ».
وَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا أَقْوَالٌ: وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَلَمْ يُجِزْ فِيهَا التُّرْكَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ فَقَالَ: يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِنْسَانِ وَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامِ نَذَرٍ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيَهُ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا جَوَّابُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُضَمَّ الْحَدِيثُ إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ثُمَّ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ فَكَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْآيَةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِهَذَا حَتَّى قَالَ: مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَدْ أَفْطَرَ هُوَ وَحَاجِمُهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلٌ آخَرَ فِيهِ لُطْفٌ وَدِقَّةُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا قَالَ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَلَامُ الْخَفْضِ مَعْنَاهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ الْمِلْكُ وَالْإِيجَابِ فَلَيْسَ يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَإِذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَجِبْ لَهُ كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَى الْأَطْفَالِ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ.
وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ، رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا فَمَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَيَكُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَاتِ، وفيه مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ «افْتُلِتَتْ» مَعْنَاهُ مَاتَتْ فَجْأَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْتَةً فَوَقَى اللَّهُ تَعَالَى شَرَّهَا أَيْ فَجْأَةٌ وَفِي هَذَا مِنَ الْمَعْنَى أَنَّ عُمَرَ تَوَاعَدَ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْفَعُ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْخِلَافَةُ وَأَنْ يُبَايَعَ فَجْأَةً وَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِهِ، وَكَانَ لَهُ اسْتِخْلَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: اسْتَخْلَافُهُ إِيَّاهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَعْنَى اسْتَخْلَافُهُ إِيَّاهُ عَلَى إِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَا تُقِيمُهَا إِلَّا الْأَئِمَّةُ مِنَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «يَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرِ».
وَقَالَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ رَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ»، فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِنَا كَانَ مَا دُونَهُ تَابِعًا لَهُ.

.سورة الْحَدِيدِ وَالْمُجَادَلَةِ:

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ:

.وَجَدْنَا فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ مَوْضِعَيْنِ:

فَأَحَدُهُمَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: هَذِهِ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا فَنُسِخَ ذَلِكَ وَجُعِلَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: كَانَ الظِّهَارُ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا أَبَدًا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَمْرو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ وَهُوَ ثَابِتُ بْنُ أَبِي صَفِيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ اللَّهَ} [المجادلة: 1] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}. [المجادلة: 12] أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ.
كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ نُسِخَتْ.
وَقُرِئَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُالرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ؟ قَالَ: «دِينَارٌ»، قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: «كَمْ»، قُلْتُ: حَبَّةَ شَعِيرٍ، قَالَ: «إِنَّكَ لَزَهِيدٌ»، قَالَ: فَنَزَلَتْ {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة: 13] الْآيَةَ.

.سورة الْحَشْرِ:

أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
لَمْ نَجِدْ فِيهَا إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] فِي هَذِهِ الْآيَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ: الْفَيْءُ، وَالْغَنِيمَةُ وَاحِدٌ وَكَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ثُمَّ نَسْخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فَجَعَلَ لِهَؤُلَاءِ الْخُمُسَ، وَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِمَنْ حَارَبَ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْفَيْءُ خِلَافُ الْغَنِيمَةِ الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَ عَنْوَةً بِالْغَلَبَةِ وَالْحَرْبِ يَكُونُ خُمُسُهُ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، وَالْفَيْءُ مَا صُولِحَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَقْسُومًا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ وَلَا يُخَمَّسُ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَوَاهُ عَنْهُ وَكِيعٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الْفَيْءُ أَيْضًا غَيْرُ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يُخْرَجُ خُمُسُهُ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ خَارِجَةً فِي صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّينُ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: الْفَيْءُ مَا قُوتِلَ عَلَيْهِ وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْقَوْلُ السَّادِسُ:حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ الْجِزْيَةُ، وَالْخَرَاجُ خَرَاجُ الْقُرَى يَعْنِي: الْقُرَى الَّتِي تُؤَدِّي الْخَرَاجَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا تُنَافِي الْأُخْرَى فَيَكُونُ النَّسْخُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْفَيْءَ خِلَافُ الْغَنِيمَةِ قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَيْءَ مُشْتَقٌّ مِنْ فَاءَ يُفِيءُ إِذَا رَجَعَ، فَأَمْوَالُ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِ فَإِذَا امْتَنَعُوا ثُمَّ صَالَحُوا رَجَعَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُ مَعْمَرٍ إِنَّهَا الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْأُولَى فَغَلَطَ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى جَاءَ التَّوْقِيفُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ حِينَ جُلُوا عَنْ بِلَادِهِمْ بِغَيْرِ حَرْبٍ، وفيهمْ نَزَلَتْ سُورَةُ الْحَشْرِ {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لَأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْوَالُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَلَمْ يَسْتَأْثِرْ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَّقَهَا فِي الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِرَجُلَيْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي دُجَانَةَ سِمَاكِ بْنِ خَرَشَةَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي أَهْلَهُ فَفِي هَذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُولَى وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ لِأَصْنَافٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا كَانَ فِي أَصْنَافٍ بِعَيْنِهِمْ خِلَافُ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَيُبَيِّنُ لَكَ هَذَا الْحَدِيثُ حِينَ تَخَاصَمَ عَلِيُّ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رِمَالِةَ فَقَالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: يَا مَالُ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أَمَرْتُ بِرَضْخِ فَخِذِهِ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، قُلْتُ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ غَيْرِي بِذَلِكَ، قَالَ: خُذْهُ فَجَاءَ يَرْفَأُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا يَعْنِي: عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْهُمَا، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا قَدِمَا أُولَئِكَ النَّفْرَ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُكُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخُصَّ بِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَقَالَ {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَ اللَّهُ أَفَاءَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَجِئْتَ أَنْتَ تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَوُلِّيتُهَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلِيَهَا، ثُمَّ جِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرِكُمَا وَاحِدٌ فَسَأَلْتُمَانِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ لَتَلِيَانِهَا بِالَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلِيهَا بِهِ فَأَخَذْتُمَاهَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 6] الْأَوَّلُ خِلَافُ الثَّانِي وَأَنَّهُ جُعِلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَأَنَّ الثَّانِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْنَاسِ جَمَاعَةٍ، وَفِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، فَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُفَرِّقُونَ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، ثُمَّ يَجْعَلُونَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ» قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْهُ وَحْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَقُولُ الرَّئِيسُ: فَعَلْنَا وَصَنَعْنَا، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ لَا نُورَثُ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] وَمَا بَعْدَهُ فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا قَالَ زَكَرِيَّا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] ؛ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَوَالِيهِ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَرِثُ النُّبُوَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وَالشَّرِيعَةُ، فَقَالَ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ثُمَّ قَالَ: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 6] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ فَقَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ كَانَ نَبِيًّا فِي وَقْتِ أَبِيهِ قِيلَ لَهُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الشَّرَائِعَ كَانَتْ إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَعِينًا لَهُ فِيهَا، وَكَذَا كَانَتْ سبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَوَرِثَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ أَيْ: لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» بِالنَّصْبِ وَتَكُونُ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَتَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْضًا وَالْمَعَانِي فِي هَذَا مُتَقَارِبَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.